لنتمم موضوع الابداع مع الاخت توتي التوتا
ؤثر السلوك الإبداعي للطفل ومنذ أشهر حياته الأولى على
نموه المعرفي, ولا ينفصل فنه عن شخصيته ككل, ولا عن بقية خصائصه
المجتمعة . ويساعد التعبير الفني على تطوير نمو الطفل العام وتطوير قدراته
المختلفة: الفكرية, العاطفية, الحسية, الاجتماعية والحركية ويساعد على تقوية
الحواس والدمج بينها واستغلالها بأحسن شكل. كما وتساهم المتعة النابعة من العمل
الفني ذاته على المستويين الحسي والشعوري بالتغلب على الصعوبات المرتبطة
بالعمل نفسه.
ويمكّن التعبير الفني الطفل من تفريغ وتهذيب دوافعه ورغباته
وتحويلها من الطاقة السلبية والعدائية إلى الإيجابية البناءة دون أن يضطر إلى التنازل
المباشر عن تحقيق هذه الرغبات, وذلك من خلال استعمال مواد معينة والتي تتطلب
طاقة وحركة جسدية كالطين والخشب وما شابه.
كما ويساعد التعبير الفني الطفل على التقيد بنظام المواد
وكيفية استعمالها بناء على خصائصها وشروط استعمالها, إضافة إلى التقيد بنظام
ذاتي بناء على رغباته وبعد التفكير والتخطيط وتجنيد الطاقات الفكرية والحركية
والحسية والتعبيرية والتنسيق فيما بينها.
يدمج الإبداع الفني ما بين الذاتية والعمومية, فرغم التشابه الذي
نلاحظه بين التعبيرات الفنية للأطفال في ذات المرحلة العمرية, يظهر الأسلوب
الشخصي لكل طفل بأعماله.
وتشكل مبادئ التعبير الفني الوارد ذكرها أسس العلاج بالإبداع
والتعبير, ولا يقتصر العلاج بالفن على الفن التشكيلي Art therapy وإنما
يتعداه إلى فنون أخرى كالتمثيل الإرتجالي والموسيقى والغناء والحركة.
يعتمد العلاج بالفن والتعبير بأساسه على مبادئ علم النفس
والتطور لدى الإنسان, ويركّز على الجوانب السليمة لديه ويساعده على اكتشاف
الطاقات الكامنة وتحويلها من السلبية إلى الإيجابية.
ويشكل هذا المجال العلاجي رافداً مساعداً ومكملاً
للتشخيص والعلاج الطبي والتربوي, ويتوفر في عدد من الأطر العلاجية, ولكن من
الممكن أن يستقل هذا العلاج عن اتجاهات علاجية أخرى, ويتم تقديمه عادة بعيادات
خاصة. يمكّن العلاج بالفن من كشف حقائق يخشى المعالَج الإفصاح عنها عادة
بالوسائل الشفهية الأخرى, وتجد تعبيراً لها في عمله الفني, ممّا يضيء جوانب
أخرى من حالة المعالَج لم يستطع التشخيص الطبي الوصول إليها.
للعلاج الفني دورٌ في تربية وعلاج الأطفال العاديين في المدارس والذين يعانون من
مشكلات سوء التكيّف الاجتماعي وافتقاد الاستقرار واضطرابات التعبير والاتصال
وما شابه. تنعكس المشاكل النفسية في الرسم سواء في موضوعاته أو أسلوبه أو
كيفية ووتيرة استخدام التقنيات الفنية والتنويع فيها أو عدمه
إن اعتماد العلاج بالفن على مواد محسوسة ومرئية
كالألوان والورق والطين وغيرها يجعله مناسباً للأطفال على وجه الخصوص
إضافة للبالغين الذين يعانون من صعوبات في التعبير الشفهي, سواء لأسباب عضوية
(مشاكل نطق أو سمع) أو لمشاكل نفسية ناتجة عن التعرض إلى صدمات كالموت
والتنكيل الجسدي والجنسي وما شابه. إن استخدام التقنيات الفنية يتيح للمعالَج تعبيراً
مباشراً وتلقائياً دون الحاجة إلى إجهاد الفكر للبحث عن الكلمات المناسبة.
بما أن الوسائل المستعملة في العلاج مرئية ومحسوسة, يسهل
على المعالِج والمعالَج التعامل معها مباشرة, ورصد التقدم في العلاج من خلال
فحص التطورات والتغيرات بنوعية الرسومات, مواضيعها, توزيع الألوان فيها,
وردود فعل المعالج عليها.. من هنا يكتسب مسار العلاج أهمية كبرى لما يصدر
خلاله من أقوال وردود فعل المعالَج. تجدر الإشارة هنا إلى انه بالرغم من أهمية
النتاج الفني للمعالج إلا أنه يوفر معلوماتٍ جزئية عن العلاج, والاعتماد عليه فقط
من شأنه التمويه. فمثلاً من الممكن أن يكون مسار العلاج صاخباً وانفعالياً في حين
يتخذ النتاج شكل رسمة هادئة ومتزنة, أو من الممكن أن يستغرق العمل فترة طويلة
وعدة جلسات هادئة يقرر المعالَج في نهايتها أن يمزق الرسمة أو أن يدهنها بالأسود
ويغطي معالمها, لحاجة ما لن ندخل في تحليلها الآن, وعليه يجب التعامل بأهمية مع
عاملَيْ المسار والنتاج دون التقليل من شأن أحدهما.
لا تستلزم المعالَج مهارات فنية سابقة أو معرفة بأصول الرسم
واستعمال المواد الفنية, وفي حالة الأطفال يكون التعبير الفني قريباً من عالمهم
ومألوفاً لهم, فالرسم كاللعب, وكالحركة جزء من نشاطهم اليومي, وعليه فهم لا
يرهبون ولا يتخوفون عند دخولهم غرفة العلاج, أي ورشة الرسم بألوانها وفراشيها
وأوراقها. إذن فمن المتوقع أن يطلق الأطفال العنان للتعبير
التلقائي أسرع من البالغين الذين يضعون العقبات أمام انطلاقهم مما يتطلب وقتاً
أطول لعلاجهم. وكلما كان الأطفال اصغر سنّاً ازدادت تلقائيتهم في التعبير, في حين
تنحسر هذه التلقائية تدريجياً كلما تقدموا في مراحل التعليم المدرسي, ويظهر لديهم
التكرار الآلي في نماذج محفوظة وأحياناً كثيرة متوقعة (كرسم البيت مع سقف مثلث
وما شابه). ويعود ذلك لتوقعات المدرسين منهم خاص "مدرّسي" الرسم الذين
يحوّل الكثيرون منهم حصة الرسم لدرس عادّي بدل ساعة إبداع وتعبير حر.
كي نحيط بالمسار الإبداعي للطفل من كافة جوانبه, حريّ بنا
أن نبدأ بالحضانة والروضة كبيئةٍ تحتضن التعبير الفني للطفل وتدعمه, بما يترتب
عن ذلك من تجهيزات خاصة ودور مميز للحاضنة.
اعجبتني فأحببت ان تكون بين ايديكم
شكرا على موضوعك القيم سيدتي توتي التوتا
مودتي
فارس سورياا